فرنسا قوة فلاحية وصناعية كبرى في الاتحاد الأوربي
مقدمةتعتبر فرنسا من أبرز القوى الاقتصادية داخل الاتحاد الأوربي، حيث تحتل مكانة متميزة بفضل إمكانياتها الفلاحية والصناعية المتنوعة. فمنذ انضمامها إلى السوق الأوربية المشتركة سنة 1957م، استطاعت فرنسا أن تبني اقتصادًا قويًا ومتكاملًا جعلها تتبوأ مراتب متقدمة ضمن دول الاتحاد الأوربي.
تقدر مساحة فرنسا بحوالي 964543 كلم² ويبلغ عدد سكانها حوالي 65 مليون نسمة، مما يجعلها من أكبر الدول الأوربية مساحة وسكانًا. وقد ساهمت هذه المؤهلات الطبيعية والبشرية في بروز فرنسا كقوة فلاحية وصناعية كبرى في الاتحاد الأوربي.
سنتناول في هذا المقال مظاهر القوة الفلاحية والصناعية لفرنسا داخل الاتحاد الأوربي، ونستعرض العوامل المفسرة لهذه القوة، كما سنتطرق للتحديات والمشاكل التي تواجه الاقتصاد الفرنسي.
فرنسا قوة فلاحية وصناعية كبرى في الاتحاد الأوربي
مظاهر قوة الفلاحة الفرنسيةتحتل الفلاحة مكانة مهمة في الاقتصاد الفرنسي وعلى مستوى الاتحاد الأوربي، رغم أن مساهمتها في الناتج الداخلي الخام لا تتجاوز 3% (سنة 2004). ويمكن إبراز مظاهر قوة الفلاحة الفرنسية في النقاط التالية:
-
ضخامة وتنوع الإنتاج الفلاحي: تعتبر فرنسا أول منتج فلاحي في الاتحاد الأوربي بنسبة 23%، مما يؤكد مكانتها كقوة فلاحية وصناعية كبرى.
-
تصدر المراتب الأولى أوربيًا في العديد من المنتجات: تحتل فرنسا مكانة رائدة في إنتاج القمح، الذرة، الشمندر السكري، الكروم، ولحوم الأبقار على المستوى الأوربي.
-
ارتفاع مردودية تربية المواشي: تساهم تربية المواشي بحوالي نصف مداخيل القطاع الفلاحي، خاصة تربية الأبقار والخنازير والأغنام، مما يوفر إنتاجًا هامًا من اللحوم والألبان.
-
تنوع الإنتاج وتخصص المجالات: يتميز الإنتاج الفلاحي الفرنسي بالتخصص الجغرافي:
- حوض باريس وسهل الشمال: تخصص في زراعة الحبوب والشمندر.
- الهضبة الوسطى: تخصص في تربية الماشية.
- منطقتي لانكدوك ولاكامارك: تخصص في زراعة الذرة والأرز.
- منطقة بوركوني وشامباني: تخصص في زراعة الكروم.
- الأودية وضواحي المدن الكبرى: تخصص في زراعة الخضر والفواكه.
-
أهمية الصادرات الفلاحية: تحتل فرنسا مراتب متقدمة أوربيًا وعالميًا على مستوى الصادرات الفلاحية، مما يعزز مكانتها كقوة فلاحية رائدة في الإتحاد الأوروبي.
تستند قوة الفلاحة الفرنسية إلى مجموعة متنوعة من العوامل، يمكن تلخيصها فيما يلي:
1. العامل الطبيعي-
شساعة السهول والأحواض: تتوفر فرنسا على سهول شاسعة (سهل الشمال والألزاس والرون) وأحواض واسعة (حوض باريس والأكيتان) ذات تربات خصبة تساعد على تنوع المحاصيل الزراعية.
-
اعتدال وتنوع المناخ: تتميز فرنسا بتنوع مناخي يشمل المناخ المحيطي في الغرب، والمناخ المتوسطي في الجنوب، والمناخ الجبلي في المرتفعات، ومناخ شبه محيطي وقاري في معظم مناطق البلاد.
-
وفرة الموارد المائية: تتمتع فرنسا بأهمية التساقطات المطرية وشبكة مائية هامة تتكون من عدة أنهار كبرى مثل الرون، الكارون، اللوار، والسين.
تشهد الفلاحة الفرنسية تحديثًا متزايدًا من خلال:
- استعمال المكننة المتطورة في جميع مراحل الإنتاج.
- تطبيق الأساليب العلمية الحديثة في الزراعة.
- وجود معاهد بحث علمي متخصصة في المجال الفلاحي مثل المعهد الوطني للبحث الزراعي (INRA).
يتجلى في تدخل الدولة الفرنسية من أجل:
- حل المشكل العقاري من خلال توسيع المستغلات وتركيزها (وصل متوسط الاستغلاليات إلى حوالي 70 هكتار).
- تأطير الفلاحين وتقديم المساعدة اللازمة لهم.
- تشجيع إنشاء التعاونيات الفلاحية.
- تجهيز المناطق الريفية واستصلاح الأراضي وتجفيف المستنقعات.
- دخول الفلاحة الفرنسية في علاقات رأسمالية مع قطاعات اقتصادية متعددة (الخدمات، الصناعة الغذائية، الصناعة الكيماوية والميكانيكية، التجارة).
- اهتمام المؤسسات الكبرى والعائلات بالنشاط الفلاحي ضمن التركيز الفلاحي.
- استفادة الفلاحة الفرنسية من دعم الاتحاد الأوربي في إطار السياسة الفلاحية المشتركة (PAC).
تعد الصناعة من الأنشطة الاقتصادية الأساسية في بنية الاقتصاد الفرنسي، وتتجلى قوة فرنسا كقوة صناعية كبرى في الإتحاد الأوروبي من خلال:
-
تنوع القطاعات الصناعية: تتميز الصناعة الفرنسية بالتنوع وتنتظم في أقطاب ومناطق صناعية حيوية، مع اتجاه المناطق الصناعية القديمة نحو التحديث كما هو الحال في ليون ودانكيرك.
-
تصدر مراتب متقدمة في المنتجات الصناعية: تحتل فرنسا المراتب الأولى في العديد من المنتجات الصناعية مثل الصلب والكهرباء.
-
وجود شركات صناعية كبرى: تضم فرنسا مقاولات وشركات صناعية مهمة من حيث قيمة استثماراتها وتشغيلها لنسبة كبيرة من السكان النشيطين، وقد تحول العديد منها إلى شركات متعددة الجنسيات لها مكانتها على المستوى الأوربي والعالمي.
-
وجود أقطاب صناعية متطورة: تتوفر فرنسا على مناطق وأقطاب صناعية حيوية (تكنوبول) مثل منطقة باريس ومنطقة الشمال والشمال الشرقي.
-
مساهمة الصناعة في الاقتصاد الوطني: تساهم الصناعة الفرنسية بنسبة 13.8% في الناتج الداخلي، و7.3% في المبادلات التجارية، وتشغل حوالي 24.47% من الساكنة النشيطة، كما تحتل المرتبة الثانية بعد ألمانيا من حيث القيمة المضافة بحوالي 200 مليار أورو.
رغم افتقار فرنسا لبعض مصادر الطاقة كالبترول والغاز الطبيعي والفحم، إلا أنها تعمل على:
- تغطية استهلاكها المتزايد للطاقة من خلال الاستيراد.
- تكثيف إنتاجها من الطاقة الكهربائية والنووية.
- استغلال بعض المعادن المتوفرة محليًا كالحديد والأورانيوم والذهب والفضة.
- أهمية الساكنة النشيطة: تقدر نسبة السكان النشيطين بأكثر من 50% من مجموع سكان فرنسا البالغ حوالي 63 مليون نسمة (سنة 2006).
- مساهمة اليد العاملة الأجنبية: تلعب دورًا مهمًا في الاقتصاد الفرنسي على مستوى الإنتاج والاستهلاك.
- توفر بنية تحتية متطورة: تتوفر فرنسا على شبكة كثيفة وعصرية من المواصلات تشمل مطارات دولية، موانئ كبرى، طرق سيارة عصرية، وسكك حديدية متطورة.
- تجميع الصناعات في شكل أقطاب تكنولوجية وصناعية تعمل على تطوير البحث في ميدان الصناعات العالية التكنولوجيا.
- وضع مخططات عامة أو جهوية ذات صبغة توجيهية للقطاع الخاص وإلزامية للقطاع العام.
- دعم القطاع الخاص بالقروض والمساعدات.
- التجديد التكنولوجي بفضل الاستثمار في البحث العلمي.
- تأهيل اليد العاملة وإنشاء الجامعات والمعاهد ومختبرات البحث التطبيقي.
- تركيز رأسمالي في مختلف فروع الصناعة الفرنسية.
- تجديد الهياكل الصناعية واعتماد استثمارات كبرى في البحث العلمي.
- تحول العديد من المؤسسات إلى شركات متعددة الجنسية لها مساهمات خارج فرنسا.
- انفتاح الصناعة الفرنسية على الرأسمال الأجنبي.
تحديات اقتصادية:
- التزايد المستمر لأسعار الآلات مقابل استقرار أسعار المنتجات الفلاحية.
- وجود فائض في بعض المنتوجات (الحبوب، السكر، الخمور، الألبان) يواجه منافسة قوية في الأسواق العالمية.
- انخفاض أسعار المنتجات الفلاحية في الأسواق العالمية.
- تباين الاستفادة من التطور التكنولوجي بين المستغلات الكبرى والصغرى.
- ارتفاع مصاريف الاستثمار والصيانة التي تثقل كاهل المستغلات الصغرى.
- ضعف مساهمة الفلاحة في الناتج الداخلي الخام.
- ضعف نسبة اليد العاملة الفلاحية مقارنة مع قطاعي الصناعة والخدمات.
- التدهور البيئي الناتج عن الاستعمال المكثف للأسمدة والمبيدات.
- تلوث المياه الجوفية والسطحية بفعل النفايات الكيماوية والحيوانية.
- نضوب الفرشة المائية بسبب الإفراط في ضخ المياه بالمناطق السقوية.
- تعدد الحرائق والفيضانات والتلوث الجوي.
- احتجاجات منظمات حماية المستهلكين ضد استعمال التكنولوجيا الإحيائية في الإنتاج الزراعي والحيواني.
- إضرابات الفلاحين ضد بعض بنود "السياسة الفلاحية الأوربية المشتركة".
- قلة اليد العاملة بسبب شيخوخة المجتمع وهجرة السكان النشيطين إلى المدن.
-
تحديات الموارد والطاقة:
- تزايد حاجات الاقتصاد الفرنسي للمواد المعدنية والطاقية.
- التبعية للخارج في مجال الطاقة والمواد الأولية وما يترتب عن ذلك من تكاليف.
تحديات المنافسة:
منافسة قوية من طرف المقاولات الأجنبية (أوربية وأمريكية وآسيوية) سواء في الأسواق المحلية أو الدولية.
تراجع بعض الصناعات التقليدية.
تأخر في الصناعات الإلكترونية والمعلوماتية مقارنة مع الدول المتقدمة الأخرى.
ارتباط الصناعات الفرنسية العالية التكنولوجيا بمثيلاتها في بلدان أخرى مما يؤثر على استقلاليتها.
- ارتفاع معدلات البطالة (وصلت إلى 2.64 مليون عاطل سنة 2003).
- التفاوت الجهوي الواضح من حيث الناتج الداخلي الإجمالي للفرد بين المناطق الشمالية والجنوبية.
تعتبر فرنسا قوة فلاحية وصناعية كبرى في الاتحاد الأوربي بفضل مؤهلاتها الطبيعية والبشرية والتنظيمية. فقد استطاعت أن تبني اقتصادًا متنوعًا وقويًا يجمع بين القطاع الفلاحي المتطور والقطاع الصناعي المتنوع، مما جعلها تحتل مكانة متميزة بين الدول الأوربية.
ورغم التحديات العديدة التي تواجه الاقتصاد الفرنسي، سواء على مستوى الفلاحة أو الصناعة، فإن فرنسا تسعى جاهدة للحفاظ على مكانتها كقوة اقتصادية رائدة في الإتحاد الأوروبي من خلال تبني استراتيجيات تنموية تستجيب لمتطلبات العصر وتحديات المنافسة العالمية.
ملخصات مهمة: